في مجتمعنا، كباقي المجتمعات، سلبيات عديدة؛ نتعرّض لها بين حينٍ وآخر، تفصيلاً وتحليلاً، بهدف تسليط الضوء عليها ومعالجتها وتصفيرها، أو حصرها في أضيق الحدود، من أجل أن نكون المجتمع الذي ننشد، مجتمع الرسالة النبيلة والقيم الحميدة والخلق الرفيع.
ونقول، على هذا البعد، بأنّ مجتمعنا، تاريخياً وجغرافياً، وحضارةً وقٍيَماً، من أعرق المجتمعات العالمية، إن لم يكن أعرقها. ومن هنا فأملنا أن يكون في طليعة المجتمعات في كل المؤشرات الإيجابية، لا أن يصبو ليكون مثلها.
أملنا أن نكون مثالاً عالمياً يُحتذى به، قدوةً للآخرين، لا أن نحذو حذوهم أو نقتدي بهم؛ وهذا مَطمحٌ يغيب عن الذهن أحياناً في صراعنا مع الإشكالات والسلبيات.
ولا يتأتّى ذلك، أي أن نكون القدوة وفي المقدمة، إلا إذا صَفّرنا الإشكالات والسلبيات والاخفاقات.
في الجانب الآخر، هنالك إيجابيات كثيرة. وهذا ما يجب ألا ننساه قط، فالإيجابيات هي رصيدنا الحقيقي، في حساباتنا الجارية، وحسابات التوفير، وحسابات الودائع، وحسابات الربح والخسارة.
والمطلوب منّا، كما نفعل مع السلبيات، التعرّض لها وتسليط الضوء عليها، بهدف إبرازها وتنميتها وتعظيمها وترسيخها وتوسيع نطاقها.
هي موجودة، في أُسَرِنا ومؤسساتنا العامة والخاصة وأحيائنا وفضاءاتنا؛ تتجسد في العديد من الأفعال، منها ما هو ظاهر للعيان، ومنها ما هو غير ظاهر، لأن الأفعال الجميلة والنبيلة بطبعها متواضعة وخجولة لا تُحبّ الأضواء، ولا تُعبّر عن نفسها بصخَب.
كثيرةٌ يصعب حصرها، ونابعة من شِيَمنا الأصيلة التي ما زالت شرائح عدة في مجتمعنا، شيباً وشباباً، تتمسك بها، قابضة عليها بعزم لا يلين:
نراها في من يُقدّم غيره على نفسه، ومن يُفكّر في العطاء قبل الأخذ وفي الواجبات قبل الحقوق، ومن يفترضُ حسن النيّة في الآخرين، ويجدُ لهم الأعذار، ويدافع عنهم في غيابهم، ومن يصون لسانه عن الغيبة والنميمة ويُعدد مناكب الآخرين ويفخر بإنجازاتهم ويذكر محاسنهم، ومن يغفر لمن أخطأ، ويصفح عمن أساء، ومن يعمل بصمت ويؤدي خلف الأضواء، ويُصغي أكثر مما يتكلم، ويقدّم الفعل على القول، ومن يؤمن بالصالح العام ويُترجمه في أفعاله، ومن يميط الأذى عن الطريق، من يُدقق في كل ما يسمع أو يقرأ ويشاهد ويُخضعه لسلطة العقل والمنطق، ومن يعم? على إزالة سوء الفهم وعلى حلّ الخلاف، ومن يثق بقدرات الغير، ويُيسّر لهم ويُسهّل مهامهم، ومن يؤمن بعمل الفريق ويقدّر الآخرين، بعيداً عن الأنانية والنرجسية واختطاف الأضواء، ومن يبادر لفعل الخير، ومن ينحاز للحقيقة والمنطق والعلم والدراسة والبحث في مواجهة الشائعة والتعميم الجارف، ومن يُكرّس وقته للعمل النافع والابتكار والإبداع، من يحقق الإنجاز وينبذ جلد الذات وجلد الآخرين، ومن يعمل على إسعاد الآخرين، ومن ومن ومن...
قِيَم وأخلاق وممارسات حميدة كثيرة ما زالت مُتجذرة في مجتمعنا يمارسها النشامى الأصلاء؛ والمجال متاح للكل للمساهمة على هذا البعد. فلا قيود، ولا سقوف عليا، في الأفعال الإيجابية.
وبعد، فلا أنجع ولا أنجح في محاربة السلوك السلبي من تَبنّي سلوكٍ إيجابيٍ مقابلٍ أو أكثر؛ والعِبرة هنا بالفعل لا بالقول.
بالفِكر البنّاء والأفعال الإيجابية المُترجِمة له تنهض الأمم وتتقدم وتزدهر وتعلو.
